ُQesas kasera

Homepage Photo ِAshaar (1) Ashaar (2) ُQesas kasera Contact

قصص قصيـــــــــــــــــــــــــرة

الرفيقة الضائعة

بحث عنها فى كل مكان، ولم يجدها، مرت اللحظات صعبة، لقد فقد صاحبته، كان يرى الدنيا من خلالها .. طلب من أحدهم أن يبحث عنها لعله يجدها وعاد يستحثه فى البحث عنها ولا جدوى ..

ذهب إلى عمله لا يدرى كم من الوقت مضى عليه وهو على تلك الحال من الإحساس بالضياع ..

وحينما وصل إلى مكتبه انهال عليهم بالأسئلة هل رءاها أحدهم .. وأجاب الجميع بالنفى ..

مر يومه ثقيلاً يعاوده الحنين إلى تلك الأيام التى كان يعانقها ويشركها معه فى كل أموره ويتحسر على الأيام التى لم يعرها فيه اهتمامه، رغم حاجته الشديدة لها .

أخذ الشك يدب فى نفسه فى كل من حوله، أيهم ألان رأسها واستحوذ عليها؟ هل شدها إليه معاملته الحسنة؟ تراها أين هى الآن؟ هل يعتنى بها أحد، هل يحبها كما كان يفعل ، وهل يحفظ لها مكانتها؟

وعاد إلى منزله يتفقد الأماكن التى كان يخلو فيها بها، بحث فى كل الأماكن التى كانت تحب أن تمكث فيها عله يجدها من جديد ولكن هيهات.

عاد بذاكرته إلى الوراء .. لقد رآها يومًا مع أحمد هل عاد يغازلها؟ وهى التى تقترب من عمره ..

عاد يفكر فى مسقبله كيف سيعيش بدونها؟ وهى التى كلفته الكثير حتى ظفر بها .. هل يستبدلها بأخرى؟ وهل صاحبته الجديدة ستتحمل طباعه وهل ستكون معينة له فى مستقبله؟ ألف سؤال وسؤال ولا إجابة شافية .. غير نصيحة من صاحبه بالحصول على أخرى ..

وحينما قرر أن يحصل على صديقة جديدة وبعد أن حزم أمره على هذا، وحين قيامه بحركة عفوية لم يكن يعلم ما يخبئه له القدر، فجأة وعلى غير توقع منه نبهته زوجته إلى وجودها .. هل معقول هذا؟ لقد وجدها فى أحد الأركان حزينة تشكو هجره إياها .. وقد امتدت حالتها النفسية السيئة إلى حالتها الجسمية حيث التوى ذراعها ، وتخيل ما قد حصل لها ، ربما قد نصب أحمد شباكه عليها ثانية ولمّا لم تتجاوب معه عاملها معاملة خشنة نتج عنها التواء ذراعها .. يا لقسوة ما رأت .. فاستقبلها استقبالاً حافلاً وأخذ يربت عليها، ويزيل ما ألم بها من خطب .. وزاده فرحة أن رأى ذراعها يعود كما كان ، وأخرج منديلاً وأخذ يمسح عينيه التى اغرورقت بالدموع ويمسح عينيها التى ملأها الغبار..

نعم فقد كانت النظارة التى طالما ساعدته فى رؤية الأشياء عن كثب بدقة وعلى حقيقتها.

ترى هل يحافظ عليها ويعتنى بها أم يعود إلى سابق عهده من إهمالها ..

رمقته بنظرة أخيرة حيث وجدتهما متعانقين وكأنهما شخصًا واحدًا ..

 

القبلة المميتة

كانت على موعد معه كل يوم .. يشتد حنينها إليه وتتراقص طربًا كلما رأته فى أجمل حلة له، فقد كان تارة يتشبه بزيًا أجنبيًا ، وتارة أخرى يلبس الجلباب البلدى، وكان يحمل بين جوانحه ألوانًا شتى تتفجر جمالاً وحيوية وتألقًا، وكان فى أحيان كثيرة يأتى مشتعل الإحساس، وفى أحيان أخرى يأتى باردًا ، لكنه كان فى كل لقاء معها يخر صريعًا ..

ومن عجيب الأمور أنها كانت تستعين بوالدها على ملاقاته .. الذى لم يكترث لتلك العلاقة .. بل أنه كان يدفع من ماله حتى تستعد للذهاب إليه، وأمها تتحرق ألمًا لما صارت إليه حالها .. ولطالما ذكرتها بأن هناك من هو أفضل منه حتى يكون معينًا لها ومؤنسًا لوحشتها .. ولكنها أبت إلا أن تذهب إليه ..

ذهبت رغم توسلات أمها .. ذهبت إلى المكان الذى تعودت أن يتقابلا فيه ..

ولكنها صدمت هذه المرة، حيث لم تجده، سألت عنه الجميع، دون جدوى .. قال لها أحدهم لقد كان هنا منذ برهة قصيرة ، ثم ذهب مع فتاة أخرى .. جن جنونها .. وراحت تضرب الأرض بقدميها .. فأرشدها إلى أن تتخذ صديقًا غيره ..

لم تقتنع فى أول الأمر ولكنها اضطرت إلى قبول الأمر وهى التى فى أشد الحاجة إلى من يروى ظمأها .. وعلى حين غفلة وجدت بغيتها ، ولكنه كان مبعثر الأشلاء .. لم يكن متماسكًا .. ظلت تعالجه .. وبعد كثير من العناء، أعادت له البهجة وتلك الألوان التى تعودت أن تراها على محياه ، وحينما رأته فى صورته الأخيرة، أخذت تتنسم عبيره الفواح ، وانهالت عليه تقبله حتى خر صريعًا بين يديها كما يحدث فى كل مرة، يحدث هذا حتى بغير عناق ، لأنها كانت تخشى أن تتبدل هيئتها ، والغريب أنه يختفى بطريقة ما عقب هذه القبلات المميتة .. ثم تعود إلى حالتها الطبيعية، وتسير فى نشوى ، تلك اللحظات الجميلة التى قضتها معه قبل نزاعه الأخير ..

عادت إلى بيتها وكأن شيئًا لم يحدث وظلت تفكر فى الضحية التالية..

فى اليوم التالى .. طلبت من والدها أن يمدها بالمال كما يفعل كل مرة .. ولكنه عارضها ونهرها بشدة وأخبرها بأن أمها قد أعدت لها طبقًا به بعض "ساندويتشات الجبنة والمربى" بدلاً من "ساندوتش الطعمية" التى تعودت أن تذهب إليه كل يوم وهو الذى فجر هذه المأساة التى أصبحت تجنى ثمارها.. ثارت ثائرتها .. ولكنها بعد فترة استسلمت للأمر الواقع ، يشدها الحنين إلى لقاءاتها السابقة .. ممنية نفسها بلقاء قريب مع محب كريم يجود بنفسه من أجل محبوبته، ويفنى حياته لقاء سعادتها ..

 

زمن اللعب الجميل

كانا روحًا واحدًا وإن اختلفت أجسادهما .. حتى أنه كان يطلق عليهما اسمًا واحدًا .. وكانا دائمًا متلاصقين وأحيانًا يفترقان ولكنهما كانا يلتقيان من جديد .. لكنهما كانا حبيسين طوال الوقت .. كان كل منهما يمنى نفسه برؤية العالم الخارجى .. كانا يسمعان عن أشياء ولم يريانها عيانًا إلا فى بعض الحالات عبر شاشة التلفاز .. وكان فى كثير من الأحيان يقطع عنهما ما يشاهدانه لأداء مهمة ما .. تلك المهمة التى دومًا ما كانا يقومان بها على مضض منهما .. فقد كانا يقعان تحت ضغط كبير لأداء تلك المهمة الصعبة .. وربما كان جزاءهما أن يموتا غرقاً .. ثم يحيا من جديد ليلاقا نفس المصير ..

أحب أحمد اللعب معهما كثيرًا وكان يربطهما من رقبتهما بطوق ويسير عبر طرقات المنزل وأروقته ..

حتى أنه كاد أن يختنق أحدهما من كثر اللعب .. غير أن الأمر الجيد أنه كان يساعدهما على التنقل من مكان إلى آخر داخل البيت الكبير .. ويريا أماكن جديدة لم يكن يرتاداها من قبل .. ولعل الأقدار تسوق أحدهما حتى يبلغ الشرفة ويرى ما عز عليهما رؤيته من العالم الخارجى ..

وقد كان ..

ففى أحد الأيام أغرى أحمد أحدهما باللعب معه حتى انفرد به فى أحد الأركان ، وظل يلاعبه إلى أن أقنعه بالذهاب إلى شرفة المنزل لإلقاء نظرة على خارج المكان ..

ففرح مسرورًا بهذا السبق الذى لم يكن يحدث قبل هذا .. وتمنى أن يكون صديقه معه .. وأطل من الشرفة مع أحمد حتى رأى ما عجز عن رؤيته سابقًا .. لم يستطع أن يتبين حقيقة الأمر حيث كان يقيم فى مكان ما مرتفع .. وراح يسجل فى ذاكرته ما يراه حتى يخبر صديقه به .. ولكن فجأة ..

سقط من الشرفة .. وأسقط فى يد أحمد كيف سيبرر الأمر ولعله أصابه التلف أو على أسوأ تقدير لقى حتفه .. وظل أحمد ممسكًا بفيه لا يستطيع حتى أن يصرخ ليتفادى فداحة ما صنع .. ولكن بريقًا من الأمل قد زايله حينما رآه يتحرك بخفة وبراعة ، غير أن هذا الأخير هاله ما رأى من عالم خارجى ، ليس هذا هو العالم الذى كان يمنى نفسه برؤيته .. فهناك أقران له مقطعين الأوصال .. وذلك تعلوه القاذورات وذلك قد فصل رأسه .. تألم كثيرًا لما رأى ، وتمنى ألا يخرج من مكانه مطلقًا وتأكد بأنه فى نعمة يحسد عليها ، وحمد الله على هذه التجربة التى ذكرته بما يملكه من أسباب الحياة ، ليهنأ برغد العيش فى كنف البيت الجميل ..

وهو غارق فى هذه المأساه التى ألمت به إذ بيد أحمد تلتقطه وتذيل ما علق به من أدران ، وصعد به السلم إلى صديقه الآخر ، وتعانق الصديقان من جديد وكل منهما يحمل للآخر آلام وآمال .. آلام الفراق وقسوة العالم الخارجى وآمال الالتقاء واللعب من جديد ..

عاد الأب من عمله لا يدرى ما حدث لهما ، ولكنه نادى على أحمد أن يأتيه بـ ( شبشب الحمام ) لكى يتوضأ ليصلى العصر ..

جاءا الصديقان فى يد أحمد وقد تلاقت عيناهما ، لقد بدأ العمل من جديد ..

 

هواء

كنا فى أحد ليالى الشتاء، وأغلقنا جميع المنافذ حتى لا يكون هناك هواء نافذ، وسهينا عن أحد الشبابيك .

واستيقظ ولدى مفزوعًا لم يشعر إلا بالضيق ، ما هكذا يكون الدفء، فتفقدت الشبابيك ، فوجدت اللص مفتوحًا، فأطبقت عليه حتى كاد أن يختنق، كنت وقتها مثل الغريق ..

أشعلت مدفأة .. وجمعت أولادى حولى ، وحملنا على أجسامنا من ملابس ما نطيق .. والتحفنا ببعض البطاطين ..

وصاح ولدى .. ما زال هواء يسرى ، فأحكمت الغطاء عليهم وعلى نفسى .. وأحكمت غطائى على نفسى .. وأردف ابنى قائلاً : الأمر أصبح على ما يرام ، لم يعد هناك هواء ، لم أشعر إلا بالاختناق وصوتى كاد يخرسنى .. الداء هو الدواء ..

فصحت صيحة ..

أين الهوااااااااااااء

قد متّ بعدها ..

ولا عزاء ..

 

القوى المتين

كان هناك عدد من العاملين ليس بالقليل يعملون لدى صاحب عمل قاسى القلب، يسومهم سوء العذاب، ويحملهم من الآلام ما لا يطيقون، رغم أنه كان من بينهم كبير الحجم قوى البنية ، غير أن قوته هذه لم تكن لتسعفه لمواجهة ما يحدث له من أهوال، وعلى الرغم من استعانته بصاحبة الملازم له كظله.

وكم من مرة كاد أن يحكم قبضته على صاحب العمل ولكن سرعان ما انزلقت قبضته ليهبط متكومًا على نفسه لا يلوى على شيء.

وكان عادة ما يتم حبسه طوال الوقت فى موقع عمله حتى أنه ليمنع عنه الهواء ورؤية العالم الخارجى.

وبمرور الأيام أصابته إصابة قاتلة كادت أن تودى بحياته ، والغريب أن صاحب العمل هو الذى قام بتضميد جراحه ، لا غرو وأنه فى حاجة إليه وهو ما هو عليه من القوة والصلابة .

وبعد زمان تعرض خلالها لإصابات متتالة أنهكت حياته حتى أصبح متهتك الأعضاء ، ولم يعد يرغب صاحب العمل فى أى فائدة ترجى من وراءه ، كما أنه أصبح عبئًا ثقيلاً عليه جعل الآخرين يعيرونه به ، فقام بفصله على الفور وعزله مع فريق من العاملين الذين تم تسريحهم من قبل ، والذين كانوا بين فينة وأخرى يعاودون الاتصال ببعض زملائهم القدامى خلسة.

قام صاحب العمل بالمرور فى أحد الأيام لتفقد عماله وإذا به يرى من بينهم ذاك العامل الذى تم طرده من قبل فعنفه بشدة وألقى به فى زاوية الحجرة حتى فاضت روحه، وصاح بأعلى صوته مناديًا لزوجته ( إيه اللى جاب الشراب المقطع ده هنا ) .

 

طبيب ممارس

أودعت تجربتى فى ورقة وأرسلتها إلى صاحبى، ثم دار بيننا حوار:

هو   :    إن هذه القصة تفتقر إلى كثير من أسس الكتابة.

أنا    :    وهل تعرف أسس كتابة القصة؟

هو   :    لا .. ولكنها ستصبح قصة رائعة إذا اهتممت ببعض العناصر، وأضفت ( ..... ) وحذفت ( ..... ) .

أنا    :    سيدى العزيز، لا أريد أن أضيف أو أحذف، لا أريدها قصة احترافية مكتملة الجوانب والعناصر، أريدها تجربة حية صادقة، تعبر عمّا حدث معى، بوصفى الخاص لها، دون أية رتوش، أريدها تجربة بكر، يتوفر فيها المصداقية والشفافية، تخرج من مشاعرى وإحساسى وتنتقل إلى أناملى دون وسيط أو دخيل، حتى تمس شغاف القلوب ..

هو   :    ولكنها ليست قصة!

أنا    :    حبيبى .. أعلم هذا، لم أقل أنها قصة .. لتكن مقالاً أو نثرًا أو شعرًا .. لتكن خواطر .. أو لتكن حتى تخاريف، ولكن لا تقيم لى محكمة وتحكم علىّ وأنا البرئ، كما أننى إذا أردت أن أكتب قصة فلسوف أدرس قواعدها وعناصرها وأضعها فى قالبها المناسب وأقدمها على أنها قصة، وليس هذا بالعسير علىّ، وأنا الذى أتبع الأسلوب العلمى فى كل شؤونى، إضافة إلى ما حابانى الله به من مهارات ومواهب لا أحب أن يطغى أحد على الآخر ولا أن أعطلها جميعًا.

هو   :    ولكنك لن تبرع أبدًا فى أى مجال.

أنا    :    ليكن .. غير أن كل موهبة من أولئك تنادينى بأعلى صوتها ولا أملك أن أتجاهلها.

هو   :    (مستعينًا بصديقته وقد تعالت ضحكاتهما) ولكنك أشبه بالطبيب الممارس!

أنا    :    أعلم هذا ولكن قد يكون الطبيب الوحيد الموجود الذى يشخص الداء ويدل على الدواء.. ماذا يفيد أحدهم إذا سقم ولم يجد من يطمئنه ويبصره الطريق ولو لم يقدم له علاجًا شافيًا؟

هو   :    ولكن أنا والكثير مثلى مع التخصص.

أنا    :    لقد طالعت كتب التاريخ ووجدت أن عددًا غير قليل من العلماء والأدباء كانوا يجيدون ألوانًًا عدة من الفنون وليس كثيرًا على مثلى أن ألحق بركبهم .. ولسوف ترى عملى القادم ومدى براعته وفق مقاييسك ..

هو   :    أنت شخص مغرور.

أنا    :    بل أنا ممارس غيور.

تركته وظللت أعكف على دراسة علم كتابة القصة وعانيت كثيرًا فى البحث حتى رويت ظمأى أخيرًا ، وأضفت هذا العلم إلى ما وهبنى الله إياه .. وكتبت قصتى الأولى ..

وبعد أيام عقدت مسابقة فى القصة القصيرة وتقدمت بها .. ولغريب الأقدار نالت قصتى الأولى جائزتها الأولى ، ولغريبها الآخر وجدت المتخصص فى صفوف الجماهير يرمقنى بنظرات تائهة، وهو يبلع ريقه من أثر حديثنا الأخير حول المتخصص والممارس، ثم سمعت صوتى يهمس فى رأسى:

أيا من تظن أنك للعلم سيــــــده                      تواضع لترى الناس تؤيـــــــده

لا تسلقن إمرأ بألسنة حـــــــداد                      تعلم واعلم بأن الله شاهــــــــده

زكاة العلم بأن للناس تخرجـــه                      بأى طريق تسلك وكن مجاهده

أخا الكتابات كن خير مـــــــداد                       للفن والعلم تسعى تجـــــــــدده

لا تنهرن صغيرًا على بضاعته                       فقد تأتيه الحكمة و تخلــــــــده

 

أضغاث أحلام

كنت أقف فى شرفة شقتى وهالنى ما رأيت .. إذ رأيت طفلاً أو قل صبيًا دون سن البلوغ يمسك بفتاة فى مثل سنه يتمثل الوقوع بها لا أدرى أيعرف تلك العلاقة بين الرجال والنساء أم لا، فتمعر وجهى واستجمعت شجاعتى وعاتبته شديدًا على ما سعى إليه ، (انت بتعمل إيه ؟ حرام عليك ، انت اتجننت ؟ امشى من هنا .. ) ولما لم يرعوى ، تلفت حولى بإذا لدى ثلاث أحجار من الحجم الصغير نوعًا بحجم غطاء زجاجة المياه وأخذت أقذف الواحدة تلو الأخرى ، فإذا به يجلب حجرًا كبيرًا ويهم بأن يقذفه على ، أسقط فى يدى من بجاحة ما يصنع ولما لم أجد من الحيلة ما أدفع به شره ، نزلت من الشرفة ونظرت بجواره فإذا صِبية فى مثل عمره تقريبًا يقفون على مقربة منه فأخذت أنادى عليهم وناشدتهم كثيرًا ( يا رجالة ـ مبالغًا بذلك الوصف لاستثارة حفيظتهم ـ ) أكثر من 5 أو 6 مرات ولا من مجيب ، وفى نهاية المطاف سمعت همهمتهم فقلت (انتم شايفين اللى أنا شايفه؟ ينفع كده ؟ ) فمن مجيب بأنه ( ما ينفعشى ) يكاد صوته يضيع بين الجميع ومن غالبية صوتها عال تقول: (عادى ما حصلش حاجة)، وربما كان هناك صنف صامت لا يحرك ساكنًا.

هنا انتهى المشهد ..

وعدت إلى شرودى لا أدرى أما زلت فى الحلم أم أنا فى يقظة أم فى تفكر عميق لما حدث، فأخذت أحلل الأمر من وجهة نظرى ..

·      أنا أسكن فى الدور الرابع فى الحقيقة ، لكن فى الخيال كنت فى الدور الثانى فما علامة ذلك وما تفسيره ، فلو كنت فى الدور الرابع لما أمكننى أن أكون قريبًا من المشهد مثل ما فى الحلم وما تمكنت من إسقاط الأحجار الثلاثة على هذا الصبى ، أيكون ذلك لشعورى بالقرب من مشاكل المجتمع وتعايشى معها .. قد يكون أو لا.

·      هذا الطفل أو الصبى ما الذى أقدم عليه من أمر وهو دون سن البلوغ ، أكان ذلك من جراء تأثير المجتمع المحيط أو المحبط بكل أشكاله وتراجعه وما تركه الإعلام من آثار سلبية على أطفالنا وغزانا فى أعز ما نملك .. قد يكون أو أمر آخر.

·      "تمثل الوقوع بالفتاة" رمز لكل انتهاك يحدث فى المجتمع على المستوى الأخلاقى والثقافى والسياسى والحضارى.. .

·      أحجارى الثلاثة الصغيرة ، إلى ماذا ترمز ، أيكون رمزها إلى ضعفى وقلة إيمانى وتخاذلى الذى لم يسعفنى فى مواجهة الشر ، أتكون ذنوبى التى كبلتنى حتى جعلتنى أخفت صوتًا وأقل حراكًا هذا على مستواى الشخصى وقس على ذلك مستوى المجتمع والأمة .

·      الحجر الكبير فى يد الصبى صورة من وجهة نظرى فى تفشى الباطل وانتفاشه وتجرأه على الحق ولا أدرى كيف استطاع هذا الصغير أن يحمل حجرًا كبيرًا وإن كان ما يزال هناك الأمل فى دحره إذ أنه هم بأن يقذفنى به ولم يكتمل الفعل وإلا لمات صوت الحق إن كنت ممن يمثلونه على الأقل فى الحلم، إلا أن صورته تنذر بالخطر.

·      ليترسخ فى أذهاننا أن الباطل صغير ( الصبى ) يسهل رده وتصويبه ، وأن الكبير هو الانتفاش (الحجر) الذى يسهل تفتيته أو إقصاؤه، وأن الصغير إذا ترك على ما هو عليه كبر على ما ترك عليه.

·      وتذكرت حديث للنبى صلى الله عليه وسلم سمعته من الشيخ حسين يعقوب فيما معناه (يأتى على أمتى زمان يفترش الرجل فيه المرأة على الطريق وأفضل مؤمن من يقول له لو تواريت بها) ، حينئذ يشعر الظالم لنفسه ولمجتمعه أنه لا يفعل شئ يلام عليه ، لا أدرى ربما فى الحلم لم أكن أعلم أن هذا الزمان قد أتى وربما تفاءلت كثيرًا بأن هذا الزمان لم يأت بعد.

·      لم ينفع صوتى ولا أحجارى الصغيرة فى دحض الباطل مما جعلها أدوات قاصرة عن إزالته أو على الأقل إبعاده، هذا التفكير فى الإبعاد الذى آلمنى كثيرًا حيث أنه كان من ضمن أولوياتى أن أبعد الخطر عن نفسى أولاً مما جعل الأمر أكثر تعقيدًا هل أنا أبعد الخطر لمجرد أن أكون فى مأمن شخصى منه أم أننى حريص على أن يكون بعيدًا عنى وعن غيرى .

·      لفداحة ما أرى ودفاعًا عن نفسى لئلا يقال كنت أجابه الباطل من فوق برج عاجى أول عالى ، نزلت من الشرفة لا أدرى كيف ففى الأحلام ( ممكن أطير كمان) .

·      هؤلاء الصبية كانوا رمزًا للمجتمع بتدنى غالبيته حيث أنه صم آذانه عن سماع الحق والدعوة إليه مما جعلنى أنادى عليه مرات عديدة ولم يجب أحد ، حتى عدم استجابتهم لنداء (يا رجالة) الأمر الذى ينذر بفناء تلك الفئة أو على أحسن تقدير ندرتهم، ألست معى أيها النادر؟ ، مثل المواقف الكوميدية ( هى فين الرجالة دى).

·      الأمر المبشر أنه بدأت الهمهمة وإلا كان الموات حقًا ورغم قلة أصوات المستجيبين لدعوة الحق والاستنجاد إلا أنهم مازالوا موجودين قائلين (ما ينفعشى) الحمد لله، وأنا أقول لهم (ما ينفعشى) (ما ينفعشى بس).

·      لا أستغرب صوت المؤيدين للباطل ولا كثرته ( غثائية عادى ما حصلش حاجة) الذين قال الله فيهم ﴿وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) مؤمنًا بقوله تعالى (فأما الزبد فيذهب جفاءًا وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض).

·      الطائفة الثالثة التى صمتت ولم تحرك ساكنًا لا تستحق أن تذكر حتى أننى حينما شرعت فى سرد هذا الحلم نسيت أن أذكرهم ثم أضفتهم بعد ذلك ولله المثل الأعلى حيث جمعهم الله مع الطائفة السابقة ولم يأتى على ذكرهم لأنهم لا يستحقوا الذكر أصلاً أو ربما تم دمجهم مع الذين ظلموا (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ).

·      كان يكفى أن يقوم بعض الأفراد منهم اثنين أو ثلاثة بلوم الظالم بأن يقولوا (ارمى الطوبة من إيدك يا ولد واحترم نفسك عيب كده ) ولكن هذا ما لم يحدث.

·      لكن الذى هالنى مستوى التدنى الذى وصلنا إليه وصوت الحق الخافت أو الذى لا يكاد يظهر والقعود عن مواجهة أنفسنا وحل مشاكلنا.

·      وكما يحدث فى الأفلام والمسلسلات لو أضفنا بعض (التحابيش)  التى لم تكن أصلاً فى الحلم بأن هؤلاء كانوا مجموعة من التلاميذ وبينهم مدرسين وناظر منهم ( المنكر ، المؤيد ، المعارض ، السلبى ) وإسقاط ذلك على المجتمع وفئاته.

أما والوضع هكذا وجدتى أتذكر موقف عبد المطلب جد النبى صلى الله عليه وسلم حينما علم بأن أبرهه قادم ليهدم بيت الله تعالى وكان له إبل أخذت بواسطة جنود أبرهة ، فذهب إلى أبرهة يسأله عن الإبل .. إلى نهاية القصة بأن للبيت رب يحميه.

أنقول بأن للحق رب يحميه، نعم .. ولكن دون أن نعطل سنة التدافع وبعد أن تستنفذ كل الوسائل والأسباب التى تحمى هذا الكون وتصلحه، بالإضافة إلى أننا نحن معجزة هذا الزمان بأننا نحن الذين نغير فلا ننتظر معجزة ليحدث هذا الأمر ، اللهم إلا إذا تقلبنا فى زمن الفتن هذا دون حراك إلى أن يأتى سيدنا عيسى بن مريم ليملأ الأرض أمنًا وعدلاً كما مُلئت ظلمًا وجورًا .

ولكن أنصنع بأيدينا واقعنا الجميل ؟ وننقذ الصغير والكبير قبل أنفسنا؟

أم ننتظر فى ألم وحسرة المهدى المنتظر وعيسى بن مريم ؟

وهل نأمن على أنفسنا الفتنة فى فترة الانتظار بحجة أن ( بيتى لسة ماتحرقش ) ؟!

 

أخدنا ( زيرو )

كنا على وشك أداء اختبار تحديد مستوى اللغة الإنجليزية ، ودار الأمر بخلدى، هل أبذل مجهودًا مضاعفًا لأحصل على مستوى لائق، أم أتكاسل عن الإجابات فأبدأ من أول السطر.

قلت لصاحبى ما دار بخلدى، وسمعنى من هو أكثر منى خبرة فقال (كدة كدة مش هتعرف تعمل حاجة) ظننته مبالغًا وألقيت كلامه وراء ظهرى، وأنا حائر بين الأمرين .

وكعادتى بحثت فى الأمر، حصلت على ملفات فى اللغة الإنجليزية بواسطة الإنترنت وأرسلتها لأقرانى عسى تكون معينًا لنا .

لم يسعفنى الوقت للإطلاع عليها وفوضت أمرى إلى ربى ..

وذهبنا لأداء الإمتحان، والكل يحدوه الأمل والرجاء فى أن يقتحم ذاك المجال الذى طالما كان حجر عثرة فى العديد من المواقف، وأنا الذى لا ألو جهدًا فى تعلم الجديد والمفيد،

انتظرنا سويعات مرت كأنها أيامًا ، وأخيرا صعدنا الدرج إلى قاعة الاختبار، اختبار تحديد المستوى.

وبعد التعليمات الخاصة بالاختبار، حيث كان مقسم إلى قسمين : الأول لقياس مهارة الاستماع، والثانى لقياس مهارة القراءة، ولكل زمنه المحدد.

بدأ الاختبار .. وأدلى كلٍ بدلوه .. على مستواى كان الاختبار صعبًا جدًا، ولم أتعرف على انطباعات الآخرين عن مدى صعوبة أو سهولة الامتحان ، حيث كنت جالسًا بالصف الأول والعجيب أنه عند مراجعة الأسماء كان اسمى الأول رغم أنى الأخير.

بين قسمى الامتحان ، وجه إلينا سؤالاً إن كان أحدنا يرغب فى عدم استكمال الامتحان لضعف المستوى ، وما إذا كان يرغب فى الالتحاق بالمستوى الأول

فقام البعض على الفور ، وترددت قليلاً ثم نظرت خلفى إلى أحد أقرانى وتلاقت عينانا ففهمنا ما ينبغى عليه أن نفعله ، فأومأت إليه بأن نوقف هذا الاختبار، وكان علامة هذا أن حصلنا على ( زيرو ).

نجحنا بفضل الله فى الاختبار !

كان اختبارًا للصدق مع النفس ومعرفة كلٍ بقدراته وإمكانياته ..

لم أشعر بفرحة الفشل إلا فى مثل هذا الموقف، ولم أعر أحد اهتمامًا..

هل أخدع نفسى أم الآخرين ؟ وتذكرت قوله تعالى (إن الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ، ولهم عذاب أليم) ..

ألقيت نظرة أخيرة على صاحبى .. فإذا هم منهمك فى الحل .. تمنيت له التوفيق مع ابتسامة خبيثة مفادها ( من يضحك أخيرًا يضحك كثيرًا ) وإن غدًا لناظره قريب .

غادرنا المكان وأصواتنا تعلوا بالضحكات ومفعمين بالأمل ، راجين التوفيق فى المستقبل القريب ..

علمت أن صاحبى قد قُبل فى المستوى الثالث (مافرقتش كتير)

ومع قدر من الخيال والعزيمة والإصرار

( والآن وبعد عامين أسمتيحكم عذرًا لأنهم يبحثون عنى لمقابلة وفد أجنبى يصعب التفاهم معه )

وصاحبى يصافح جريدة ( بالعربى )

ولم يزل فى المستوى ............

وربما إلى الزيرو

What's New with My Subject?

If I didn't include a news section about my site's topic on my home page, then I could include it here.